( ثالثا ) نظرية منف :
استطاع الملك مينا أن يوحد القطرين ، وان يؤسس الأسرة الأولى المصرية ، وان يقيم لمصر حكومة متحدة قوية حوالي عام 3200 ق. م وان يشيد له عاصمة جديدة هي " انب حج " ( منف ) وسرعان ما بدأ أهلها يهتمون بتفوق مدينتهم الجديدة على المدن الأخرى ، ليس فقط لأنها أصبحت مقر العرش الملكي ، ومن ثم فقد أصبحت لها الأهمية السياسية الأولى في البلاد ، ولكن كذلك على أساس أنها مركز ديني يفوق غيره من المراكز الدينية الأخرى ، وهذا بدأت تظهر في منف مدرسة دينية ثالثة ، بجانب مدرستي عين شمس و الاشمونين.
وفى الواقع فقد كانت مدرسة منف هذه أكثر المدارس الثلاثة عمقا وأكثرها حبكة ، وأقربها إلى المعنوية والمنطق ، وتذهب إلى إن ربها " بتاح " هو الرب الخلاق القديم ، وان الأرباب الأخرى التي عرفها البشر لم تكن غير صور من ( بتاح ) وانه منذ أن استوي على عرشه لأول مرة كان روحا للكيان المائي العظيم بكل ما احتواه من ذكر وأنثى وهكذا حاول المنفيون أن يجعلوا ربهم بتاح محل آتوم ، رب عين شمس ، وان يجعلوه على رأس تاسوع مكون من " تاثنن " ثم آتوم ونون ونونه ثم أربعة آلهة أخرى هي : حور و تحوت ، ثم نفر توم والثعبان ومن ثم فقد اُعتُبر آتوم في هذه المدرسة اقل شأنا من بتاح ، كما إن شفتي آتوم وأسنانه التي تفل بهما شو وتفنوت قد استعارهما من بتاح ، كما اعتبر القلب واللسان من أطياف بتاح ، وهذان كانا يمثلان حور و تحوت ، وقد خلق اللسان ( أي تحوت ) كل شئ بواسطة الكلمة .
نقد نظرية منف :
1. أن أصحاب منف قد ابتغوا في مذهبهم التجديد ، فضلا عن إعلاء شأن مدينتهم وأربابها المحليين ، وليس هناك من ريب في أنهم كانوا على دراية بما نادي به مذهبا أيونو و انو ، ومن ثم فإذا كان أصحاب عين شمس قد شبهوا ظهور ربهم الخالق القديم بظهور ربوة عالية أو طافية فصدقهم القوم واعتنقوا مذهبهم ، وإذا كان أصحاب أونو بدورهم قد نادوا بوجود ربوة عالية ظهر عليها رب الشمس حين خرج من دحيته لأول مرة ، فلم لا تكون الربوة العالية أو الطافية الحقيقية هي منف ذاتها أو جزأ معينا منها ، وهى بالفعل أرض طافية ومن غير مجاز من قبل أن يتحول عنها طوفان الماء القديم أو طغيان فرع النيل القديم ، ولما لا يكون ما حدث في منف من عمران وتنظيم منذ بداية إنشائها القديم عن تدبير حكيم ، قد حدث مثله عند نشأة الوجود لأول مرة .
2. أن أصحاب المذهب المنفى إنما اعتبروا بتاح ، اله منف الأكبر ، والمتحكم في الفضاء والقدر ، إنما هو الإله خالق العالم كله ، وهو بتاح بمعنى الفتاح أو الأبناء ، وربما الخلاق كذلك ، ويلقب أحيانا بلقب " تاثنن " بمعنى رب الأرض العالية أوالناهضة ، وهكذا أعلن المنفيون أن الأرباب الذين عرفهم البشر جميعا لم يكونوا غير صور من بتاح ، وان بتاح هو الرب الخلاق القديم ، وانه منذ استوي على عرشه لأول مرة كان روحا للكيان المائي العظيم بكل ما احتواه من ذكر وأنثى كما كان روحا لليابس القديم أو الأرض الطافية الناهضة على حد سواء .
وارتأى أصحاب المذهب انه لما كان بتاح هو الأصل والجوهر ،والأرباب صوره ، فقد حق له أن يتميز عنهم جميعا بحيث ظل ( بمثابة القلب واللسان لهم جميعاً ) ، وهذا التعبير الخارق للمألوف يصير أكثر وضوحاً لنا عندما نعلم أن القلب معناه " العقل " أو " الفهم " ، أما اللسان فهو رمز للنطق أي الأداة التي تبرز أفكار العقل وتعبر عن أوامره ، أي أنها تخرج ما فيه من خير إلى عالم الحقيقة الملموس ، وهكذا كما قالوا ، لم يكن القلب واللسان بالشئ الهين ، إذ كان لهما سيطرة على كل عضوا في الجسم ، وإذا كان ثمة دليل سابق ، فهو " دليل قائم في كل صدر ، وفى كل فم للأرباب والبشر والأنعام والزواحف على السواء " ، وإذا كان ثمة دليل مرة أخرى على أهمية القلب فإنما يكون مما يلاحظ من أن " ما تشهده العينان وتسمعه الأذنان وتتشممه الأنف ، إنما جميعه إلى الفؤاد " و " أما الفم فهو الناطق بكل شئ "
1. أن أصحاب منف قد ابتغوا في مذهبهم التجديد ، فضلا عن إعلاء شأن مدينتهم وأربابها المحليين ، وليس هناك من ريب في أنهم كانوا على دراية بما نادي به مذهبا أيونو و انو ، ومن ثم فإذا كان أصحاب عين شمس قد شبهوا ظهور ربهم الخالق القديم بظهور ربوة عالية أو طافية فصدقهم القوم واعتنقوا مذهبهم ، وإذا كان أصحاب أونو بدورهم قد نادوا بوجود ربوة عالية ظهر عليها رب الشمس حين خرج من دحيته لأول مرة ، فلم لا تكون الربوة العالية أو الطافية الحقيقية هي منف ذاتها أو جزأ معينا منها ، وهى بالفعل أرض طافية ومن غير مجاز من قبل أن يتحول عنها طوفان الماء القديم أو طغيان فرع النيل القديم ، ولما لا يكون ما حدث في منف من عمران وتنظيم منذ بداية إنشائها القديم عن تدبير حكيم ، قد حدث مثله عند نشأة الوجود لأول مرة .
2. أن أصحاب المذهب المنفى إنما اعتبروا بتاح ، اله منف الأكبر ، والمتحكم في الفضاء والقدر ، إنما هو الإله خالق العالم كله ، وهو بتاح بمعنى الفتاح أو الأبناء ، وربما الخلاق كذلك ، ويلقب أحيانا بلقب " تاثنن " بمعنى رب الأرض العالية أوالناهضة ، وهكذا أعلن المنفيون أن الأرباب الذين عرفهم البشر جميعا لم يكونوا غير صور من بتاح ، وان بتاح هو الرب الخلاق القديم ، وانه منذ استوي على عرشه لأول مرة كان روحا للكيان المائي العظيم بكل ما احتواه من ذكر وأنثى كما كان روحا لليابس القديم أو الأرض الطافية الناهضة على حد سواء .
وارتأى أصحاب المذهب انه لما كان بتاح هو الأصل والجوهر ،والأرباب صوره ، فقد حق له أن يتميز عنهم جميعا بحيث ظل ( بمثابة القلب واللسان لهم جميعاً ) ، وهذا التعبير الخارق للمألوف يصير أكثر وضوحاً لنا عندما نعلم أن القلب معناه " العقل " أو " الفهم " ، أما اللسان فهو رمز للنطق أي الأداة التي تبرز أفكار العقل وتعبر عن أوامره ، أي أنها تخرج ما فيه من خير إلى عالم الحقيقة الملموس ، وهكذا كما قالوا ، لم يكن القلب واللسان بالشئ الهين ، إذ كان لهما سيطرة على كل عضوا في الجسم ، وإذا كان ثمة دليل سابق ، فهو " دليل قائم في كل صدر ، وفى كل فم للأرباب والبشر والأنعام والزواحف على السواء " ، وإذا كان ثمة دليل مرة أخرى على أهمية القلب فإنما يكون مما يلاحظ من أن " ما تشهده العينان وتسمعه الأذنان وتتشممه الأنف ، إنما جميعه إلى الفؤاد " و " أما الفم فهو الناطق بكل شئ "
3. أن أصحاب منف إنما ذهبوا إلى أن بتاج هو قلب ولسان التاسوع ، وقد قصدوا بذلك أن بتاح انما هو قلب ولسان التاسوع آتوم ، ومن ثم فقد سلبوا آتوم رب هليوبوليس كل عمل خلاق وكل قدرة ونشاط في الخلق والإبداع ، ما دام فلبه ولسانه اللذين خلق بهما التاسوع الهليوبوليتانى ، ليسا إلا أحد مظاهر بتاح ، وهكذا نسب المنفيون عمل آتوم في الخلق إلى ربهم بتاح ، أي أن تعاليم منف جعلت كل النشاط الخلاق لآتوم من عمل بتاح.
4. أن هناك من يذهب إلى إن فكرة وجود ثمانية أشكال لبتاح ، إنما هي اقتباس من فكرة الخلق الهليوبوليتانية التي اعترفت بآله الشمس ، وكنها في نفس الوقت ذهبت إلى انه من إنجاب الآلهة الثمانية اللذين يشخصون الهيولى ( مادة الكون قبل أن يأتي أي شئ للوجود ) ، وما دام هؤلاء الثمانية كانوا من مادة بتاح ، مظاهر غير مخلوقه لكينونته ، ومن ثم يصبح بتاح خالقا للشمس وللآلهة جميعا.
5. أن حور كان في مذهب المنفيين مظهرا لبتاح ، وقد مثل في الطقوس كفرعون الحاكم ، وقد ظهر في حجر " شباكا " ( مصدرنا عن المذهب المنفى ) كحاكم للأرض ومسئول عن توحيدها وذكرها مع الاسم الكبير " تاثنن " وأصبح تاثنن هو اسم بتاح في منف ( بتاح التل الازلى ) وقد قصدوا من ذلك أن بتاح لم يخلق الأرض فحسب ، وإنما هو الأرض كذلك ،ولعل الهدف تفنيد مزاعم أصحاب هليوبوليس من أن معبدهم مُقام فوق نون ، التل الازلى .
6. أن مفكري منف إنما كانوا يدركون أن كل هذه التمثيلات لبتاح إنما هي مجرد رموز ، بمثابة أفكار فلسفية ، فقد كان بتاح يملك قوة الخلق من خلال الفكر والإرادة ، وقد استبعد آتوم وحل محله حور ،الذي وُلد بإرادة بتاح ، وقد اعتبره المنفيون بمثابة القلب ، كما اعتبروا تحوت بمثابة اللسان ، ربما كمحاولة لإدخال عقائدهم في نظرية أكثر قدما من نظرية هليوبوليس ، فقد كان حور هو إله الشمس القديم ، وكان تحوت هو إله القمر ، وإله الحكمة كذلك ، وقد كان من المفروض أن يكون قلب بتاح هو تحوت ، ولسانه هو حور ، ذلك لان تحوت أنما هو العقل المفكر ، إله الحكمة والذكاء والعلم ، بينما كان حور ممثل السلطة الفرعونية ، سلطة الحاكم الذي يعطى أوامر تنفذ ، فهو اللسان أو النطق القاطع البات ، هو الأمر الذي يصدر لتنفيذ ما فكر فيه القلب .
4. أن هناك من يذهب إلى إن فكرة وجود ثمانية أشكال لبتاح ، إنما هي اقتباس من فكرة الخلق الهليوبوليتانية التي اعترفت بآله الشمس ، وكنها في نفس الوقت ذهبت إلى انه من إنجاب الآلهة الثمانية اللذين يشخصون الهيولى ( مادة الكون قبل أن يأتي أي شئ للوجود ) ، وما دام هؤلاء الثمانية كانوا من مادة بتاح ، مظاهر غير مخلوقه لكينونته ، ومن ثم يصبح بتاح خالقا للشمس وللآلهة جميعا.
5. أن حور كان في مذهب المنفيين مظهرا لبتاح ، وقد مثل في الطقوس كفرعون الحاكم ، وقد ظهر في حجر " شباكا " ( مصدرنا عن المذهب المنفى ) كحاكم للأرض ومسئول عن توحيدها وذكرها مع الاسم الكبير " تاثنن " وأصبح تاثنن هو اسم بتاح في منف ( بتاح التل الازلى ) وقد قصدوا من ذلك أن بتاح لم يخلق الأرض فحسب ، وإنما هو الأرض كذلك ،ولعل الهدف تفنيد مزاعم أصحاب هليوبوليس من أن معبدهم مُقام فوق نون ، التل الازلى .
6. أن مفكري منف إنما كانوا يدركون أن كل هذه التمثيلات لبتاح إنما هي مجرد رموز ، بمثابة أفكار فلسفية ، فقد كان بتاح يملك قوة الخلق من خلال الفكر والإرادة ، وقد استبعد آتوم وحل محله حور ،الذي وُلد بإرادة بتاح ، وقد اعتبره المنفيون بمثابة القلب ، كما اعتبروا تحوت بمثابة اللسان ، ربما كمحاولة لإدخال عقائدهم في نظرية أكثر قدما من نظرية هليوبوليس ، فقد كان حور هو إله الشمس القديم ، وكان تحوت هو إله القمر ، وإله الحكمة كذلك ، وقد كان من المفروض أن يكون قلب بتاح هو تحوت ، ولسانه هو حور ، ذلك لان تحوت أنما هو العقل المفكر ، إله الحكمة والذكاء والعلم ، بينما كان حور ممثل السلطة الفرعونية ، سلطة الحاكم الذي يعطى أوامر تنفذ ، فهو اللسان أو النطق القاطع البات ، هو الأمر الذي يصدر لتنفيذ ما فكر فيه القلب .
لكن النص صريح ويفرض الالتزام بما جاء به ويجعل الاجتهاد خروجا عليه ، ولو أن المنطق قد لا يتقبل تشخيص القلب بـ (حو ) ( حور ) بعكس الحال بالنسبة لتشخيص اللسان بـ " سيا " ( تحوت ) الذي يمكن قبوله على أساس أن تحوت أيضا سيد الكلام والصيغ السحرية ، الإله الذي ينطق الكلام بالمنطق الصحيح وبالنغمة الصحيحة ، على انه يمكننا أن نتصور أن المذهب المنفى جعل من حور قلبا لبتاح ربما لان مؤسسي الوحدة ومشيدي منف كانوا من أتباع حور ، ومن ثم فقد نسب كهان منف ، إرضاء لهم ، إلى حور الدور الفعال في مذهبهم ، فجعلوه بمثابة القلب العضو الأكثر أهمية في تعاليمهم ، فهو الذي تنشأ عنه كل الأفكار والأعمال ، بينما يقتصر عمل اللسان على مجرد تنفيذ هذه الأفكار بإصدار الأمر بها .
7. أن بتاح لم يكن في نظر المنفيين هو خالق الكون والروح الخالقة للعالم المادي ، والجامع لكل وظائف الآلهة الأخرى فحسب ، وإنما كان كذلك خالق النظام الاخلاقى ، مما يشير إلى تطور نظرية منف أكثر من نظرية أيونو ، وان كانت معلوماتنا عن الأخيرة ليست كافية ، ويقرر حجر شباكا ( الذي دُونت عليه تعاليم منف والموجود حاليا في المتحف البريطانى ) أن بتاح هو " الذي صنع الجميع ، احضر الآلهة إلى الوجود ، انه حقا تاثنن ، الذي احضر قديما الآلهة ، لان كل شئ انبثق منه ، الغذاء والمؤن وقرابين الآلهة ، وكل شئ طيب " ، وهكذا اكتشف وفهم أن قوته أعظم من الآلهة الأخرى ، لذلك كان بتاح راضيا بعد أن صنع كل شئ ، ومن ثم فهو الذي خلق النظام السياسي ، لقد وضع الآلهة في محاريبهم وصنع أجسامهم بالطريقة التي ترضى قلوبهم ، ولذا فقد دخلت الآلهة في أجسامها من كل نوع من الخشب والحجر والطفل أو أي شئ مما ينمو فوقه ، قد يأخذون فيه أشكالهم ، ومن ثم فان كل الآلهة " قد جمعت أنفسها له ، راضية ومقترنة بسيد الارضين " ، وهكذا كان بتاح هو " تاثنن " الأرض المرتفعة ، اله هذه الأرض وروح الحياة الموجودة فيها ، ومن ثم فهو يقوم بتنظيم هذه الأرض بإقامة المدن والمقاطعات إلى جانب انه أتى بكل الآلهة وبجميع الكائنات إلى الوجود ، على أساس أن كل شئ في هذا الوجود إنما هو انبثاق منه كالقلب واللسان .
8. وُصِف بتاح بأنه " تاثنن " التل البدائي الذي ارتفع من الهيولى ، والذي يمثل أول قطعة ارض برزت من هذا الهيولى ، وهذا التل هو الذي مارس فوقه آتوم أول أعماله في الخلق ، وفقا لنظرية عين شمس ، وهو المكان الذي تعيش فوقه ثمانية هرمو بوليس ، طبقا لنظرية الاشمونين ، وقد أشير من قبل إلى إن نظرية عين شمس لم تقدم تفسيرا ثيولوجيا عن الهيولى ( مادة الكون قبل الخلق ) والتل البدائي الذي ارتفع من هذا الهيولى ، وأن نظرية الاشمونين قد استوفت الهيولى بأن جعلت الثامون تشخيصا ووصفا للهيولى ، ولكنها لم تقدم تفسيرا ثيولوجيا لكيفية وجود التل البدائي ، برغم الإشارة إلى إن الآلهة الثمانية خلقت اله الشمس فوق هذا التل ، وهكذا جاءت نظرية منف لتكمل نظرية عين شمس عن التل البدائي فنادت بأن بتاح تاثنن هو هذه الأرض الأولى التي ارتفعت من الهيولى الكوني ، وهكذا يمكن القول أن النظريات الثلاث إنما تقدم معا قصة خلق متكاملة وتقدم تفسيرا للكون وظواهره وكائناته قبل أن تأتى الخليقة إلى الوجود وبعد أن أتت.
9. أن كهنة منف حاولوا أن يربطوا مدينتهم بديانة أوزير ، وذلك بإدعاء أن أوزير قد غرق عند شاطئ منف ، وأن أيزة وتفنيس قد انتشلتا جسده ثم دفنتاه في أرض منف ، ومن ثم تصبح منف مخزن غلال الآلهة التي تمد الارضين بالغذاء ، نتيجة للخصوبة التي اكتسبتها أرضها بدفن أوزير فيها ، ذلك لان أوزير كان ، فيما يعتقد القوم ، مياه الفيضان الخصبة أوهو القوة التي تمنح الأرض الخصب والحياة ، وبالتالي تصبح منف التي نُسب إليها مكان غرق أوزير ودفنه هي أخصب الاراضى المصرية قاطبة ، وهكذا أصبحت مخزن غلال الإله التي تمد الأرض بالقوت ، هذا فضلا عن أن المنفيين إنما نسبوا إلى أوزير ، شأنه في ذلك شأن بتاح ، أنه عَلّم الجنس البشرى فنون الحضارة ، مما يشير إلى أن الكهانة المنفية إنما أرادت أن تستميل أوزير وتجعله واحدا في نظامها.
7. أن بتاح لم يكن في نظر المنفيين هو خالق الكون والروح الخالقة للعالم المادي ، والجامع لكل وظائف الآلهة الأخرى فحسب ، وإنما كان كذلك خالق النظام الاخلاقى ، مما يشير إلى تطور نظرية منف أكثر من نظرية أيونو ، وان كانت معلوماتنا عن الأخيرة ليست كافية ، ويقرر حجر شباكا ( الذي دُونت عليه تعاليم منف والموجود حاليا في المتحف البريطانى ) أن بتاح هو " الذي صنع الجميع ، احضر الآلهة إلى الوجود ، انه حقا تاثنن ، الذي احضر قديما الآلهة ، لان كل شئ انبثق منه ، الغذاء والمؤن وقرابين الآلهة ، وكل شئ طيب " ، وهكذا اكتشف وفهم أن قوته أعظم من الآلهة الأخرى ، لذلك كان بتاح راضيا بعد أن صنع كل شئ ، ومن ثم فهو الذي خلق النظام السياسي ، لقد وضع الآلهة في محاريبهم وصنع أجسامهم بالطريقة التي ترضى قلوبهم ، ولذا فقد دخلت الآلهة في أجسامها من كل نوع من الخشب والحجر والطفل أو أي شئ مما ينمو فوقه ، قد يأخذون فيه أشكالهم ، ومن ثم فان كل الآلهة " قد جمعت أنفسها له ، راضية ومقترنة بسيد الارضين " ، وهكذا كان بتاح هو " تاثنن " الأرض المرتفعة ، اله هذه الأرض وروح الحياة الموجودة فيها ، ومن ثم فهو يقوم بتنظيم هذه الأرض بإقامة المدن والمقاطعات إلى جانب انه أتى بكل الآلهة وبجميع الكائنات إلى الوجود ، على أساس أن كل شئ في هذا الوجود إنما هو انبثاق منه كالقلب واللسان .
8. وُصِف بتاح بأنه " تاثنن " التل البدائي الذي ارتفع من الهيولى ، والذي يمثل أول قطعة ارض برزت من هذا الهيولى ، وهذا التل هو الذي مارس فوقه آتوم أول أعماله في الخلق ، وفقا لنظرية عين شمس ، وهو المكان الذي تعيش فوقه ثمانية هرمو بوليس ، طبقا لنظرية الاشمونين ، وقد أشير من قبل إلى إن نظرية عين شمس لم تقدم تفسيرا ثيولوجيا عن الهيولى ( مادة الكون قبل الخلق ) والتل البدائي الذي ارتفع من هذا الهيولى ، وأن نظرية الاشمونين قد استوفت الهيولى بأن جعلت الثامون تشخيصا ووصفا للهيولى ، ولكنها لم تقدم تفسيرا ثيولوجيا لكيفية وجود التل البدائي ، برغم الإشارة إلى إن الآلهة الثمانية خلقت اله الشمس فوق هذا التل ، وهكذا جاءت نظرية منف لتكمل نظرية عين شمس عن التل البدائي فنادت بأن بتاح تاثنن هو هذه الأرض الأولى التي ارتفعت من الهيولى الكوني ، وهكذا يمكن القول أن النظريات الثلاث إنما تقدم معا قصة خلق متكاملة وتقدم تفسيرا للكون وظواهره وكائناته قبل أن تأتى الخليقة إلى الوجود وبعد أن أتت.
9. أن كهنة منف حاولوا أن يربطوا مدينتهم بديانة أوزير ، وذلك بإدعاء أن أوزير قد غرق عند شاطئ منف ، وأن أيزة وتفنيس قد انتشلتا جسده ثم دفنتاه في أرض منف ، ومن ثم تصبح منف مخزن غلال الآلهة التي تمد الارضين بالغذاء ، نتيجة للخصوبة التي اكتسبتها أرضها بدفن أوزير فيها ، ذلك لان أوزير كان ، فيما يعتقد القوم ، مياه الفيضان الخصبة أوهو القوة التي تمنح الأرض الخصب والحياة ، وبالتالي تصبح منف التي نُسب إليها مكان غرق أوزير ودفنه هي أخصب الاراضى المصرية قاطبة ، وهكذا أصبحت مخزن غلال الإله التي تمد الأرض بالقوت ، هذا فضلا عن أن المنفيين إنما نسبوا إلى أوزير ، شأنه في ذلك شأن بتاح ، أنه عَلّم الجنس البشرى فنون الحضارة ، مما يشير إلى أن الكهانة المنفية إنما أرادت أن تستميل أوزير وتجعله واحدا في نظامها.
10.أن أصحاب المذهب المنفى إنما أطلقوا على بتاح كذلك لقب( الصانع الماهر المقدس ) ، كما كان الخالق العظيم ، وقد وحّده الإغريق مع إلَههم ( هيفايستوس ) ، ولكنه كان كذلك سيدا للصدق ، ومن ثم فقد صحبه تحوت إلى الحكمة في كل مكان ، ولما كانت أفعاله ، أعمال عدالة كان مع تحوت يعمل كل شئ بصورة كاملة لم يكن مضللا أو مخادعا ولكنه كان صانعا ماهرا ، أنه بتاح ومن هنا فقد نادت النظرية المنفية بأن العدالة تُعطَى لمن يفعل ما هو محبوب ، والظلم لمن يفعل ما هو مكروه ، وأن الحياة تُعطى للمسالم ويحيق الموت بالمجرم الأثيم ، وفى التعبيرين " ما هو محبوب وما هو مكروه " نجد أقدم برهان عُرف على مقدرة الإنسان على التمييز بين الخلق الحسن والخلق السيئ ، لأنهما ذُكرا هنا لأول مرة في تاريخ البشرية.
11. أن بتاح قد مارس عمله في الخلق عن طريق القلب واللسان ، وهو أسلوب في الخلق لم يشهده في النظريات الأخرى ، فالنظرية المنفية جعلت من الخلق عملية عقلية معنوية صرفة لا تتصل بالمادية من قريب أو من بعيد ، ومن ثم فلم يكن المذهب في حاجة إلى تقديم تفسيرات عن كيفية خلق السماء أو الأرض أو الهواء أو غيرها من الظواهر الكونية الأخرى، هذا فضلا عن أن بتاح إنما هو القلب واللسان في كل كائن ، سواء أكان من البشر أو الآلهة أو أي شئ يعيش على الأرض ، ومادام كل عمل أو نشاط يُنسب إلى القلب الذي هو منبع كل فكرة ، واللسان الذي يقوم بتنفيذ هذه الفكرة بالنُطق بها ، ومن ثم فأن كل نشاط في هذه الحياة إنما يُنسب إلى بتاح ، وهذا يعنى أن بتاح هو نشاط هذا العالم وحياته ولولاه لما وُجِدَ في هذا العالم حياة ، وهو مبدأ لم تتناوله النظريات الأخرى.
وهكذا كان اللاهوت المنفى الذي كُتِبَ قبل العبرانيين وقبل اليونان بأكثر من ألفى سنة ، كان إصراره على وجود عقل خالق ومسيطر ، عقل صور مظاهر الطبيعة وأمدها منذ البداية بالقاعدة والبرهان ، كان تفكيرا شاهقا في سموه ، قبل أن يُوجَد الفكر اليوناني أصلا ، ولم يستطع المصريون بعد ذلك أن يصلوا إلى علوه ، فضلا عن أن يتجاوزوه ، هذا فضلا عن أن هذا اللاهوت المنفى إنما يُزيل من ديانة المصريين القدامى سمة المادية ، فقد كانت ذات طبيعة روحية وفلسفية لا تُبارى من قِبَل النظريات الأخرى ، فقد كان بتاح روحا خلقت نفسها ، ومسببا للأسباب التي أنتجت كل شئ وكل كائن مادي فى السماء والأرض والعالم السفلى ، وهكذا انتقل القوم من عالم المادة إلى عالم الروح.
على أن هذا اللون من ألوان التفكير في الخلق وخالقه لم يجب ما تقدمه من ألوان أخرى ، فنحن نرى الجديد على رقيه وتهذيبه إلى جانب القديم على ما فيه من خشونة مادية وجفاف ، وليس ذلك بالشئ الغريب ، فأن للقديم على جفافه وخشونته حُرمة في ضمير الزمن وقدسية في نفوس الناس ، وآية ذلك أن نظرية منف على ما فيها من لُطف و روحانية لم تستطع أن تجب نظرية هليوبوليس المادية الفطرية بل أن هذه الطبيعة المعنوية التي انفردت بها تعاليم منف عن الخلق هي التي كانت عائقا أمام انتشار هذه التعاليم ، ذلك لان أفكارها الدينية والفلسفية السامية لم يتقبلها عامة القوم قبولا حسنا ، ربما لأنهم لم يجدوا لها تفسيرا في الواقع المحسوس ، وربما لأنها لم تترك شيئا لنشاط خيالهم أو لإدراك عقولهم ، ومن ثم ازدهرت هذه العقيدة إبان سيطرة ملوك منف ، ومع ذلك فقد استطاع كهان رع أن ينشروا مذهبهم بنجاح في الأسرة الرابعة ، وان كان نجاحهم أكبر في الأسرة الخامسة ، على إن نهاية الأسرة السادسة ربما كانت بمثابة انهيار للعقيدة المنفية ، كما أن طبيعة بتاح الروحية لم تدعيها فيما بعد واحدة من الكهانات لمعبودها .
11. أن بتاح قد مارس عمله في الخلق عن طريق القلب واللسان ، وهو أسلوب في الخلق لم يشهده في النظريات الأخرى ، فالنظرية المنفية جعلت من الخلق عملية عقلية معنوية صرفة لا تتصل بالمادية من قريب أو من بعيد ، ومن ثم فلم يكن المذهب في حاجة إلى تقديم تفسيرات عن كيفية خلق السماء أو الأرض أو الهواء أو غيرها من الظواهر الكونية الأخرى، هذا فضلا عن أن بتاح إنما هو القلب واللسان في كل كائن ، سواء أكان من البشر أو الآلهة أو أي شئ يعيش على الأرض ، ومادام كل عمل أو نشاط يُنسب إلى القلب الذي هو منبع كل فكرة ، واللسان الذي يقوم بتنفيذ هذه الفكرة بالنُطق بها ، ومن ثم فأن كل نشاط في هذه الحياة إنما يُنسب إلى بتاح ، وهذا يعنى أن بتاح هو نشاط هذا العالم وحياته ولولاه لما وُجِدَ في هذا العالم حياة ، وهو مبدأ لم تتناوله النظريات الأخرى.
وهكذا كان اللاهوت المنفى الذي كُتِبَ قبل العبرانيين وقبل اليونان بأكثر من ألفى سنة ، كان إصراره على وجود عقل خالق ومسيطر ، عقل صور مظاهر الطبيعة وأمدها منذ البداية بالقاعدة والبرهان ، كان تفكيرا شاهقا في سموه ، قبل أن يُوجَد الفكر اليوناني أصلا ، ولم يستطع المصريون بعد ذلك أن يصلوا إلى علوه ، فضلا عن أن يتجاوزوه ، هذا فضلا عن أن هذا اللاهوت المنفى إنما يُزيل من ديانة المصريين القدامى سمة المادية ، فقد كانت ذات طبيعة روحية وفلسفية لا تُبارى من قِبَل النظريات الأخرى ، فقد كان بتاح روحا خلقت نفسها ، ومسببا للأسباب التي أنتجت كل شئ وكل كائن مادي فى السماء والأرض والعالم السفلى ، وهكذا انتقل القوم من عالم المادة إلى عالم الروح.
على أن هذا اللون من ألوان التفكير في الخلق وخالقه لم يجب ما تقدمه من ألوان أخرى ، فنحن نرى الجديد على رقيه وتهذيبه إلى جانب القديم على ما فيه من خشونة مادية وجفاف ، وليس ذلك بالشئ الغريب ، فأن للقديم على جفافه وخشونته حُرمة في ضمير الزمن وقدسية في نفوس الناس ، وآية ذلك أن نظرية منف على ما فيها من لُطف و روحانية لم تستطع أن تجب نظرية هليوبوليس المادية الفطرية بل أن هذه الطبيعة المعنوية التي انفردت بها تعاليم منف عن الخلق هي التي كانت عائقا أمام انتشار هذه التعاليم ، ذلك لان أفكارها الدينية والفلسفية السامية لم يتقبلها عامة القوم قبولا حسنا ، ربما لأنهم لم يجدوا لها تفسيرا في الواقع المحسوس ، وربما لأنها لم تترك شيئا لنشاط خيالهم أو لإدراك عقولهم ، ومن ثم ازدهرت هذه العقيدة إبان سيطرة ملوك منف ، ومع ذلك فقد استطاع كهان رع أن ينشروا مذهبهم بنجاح في الأسرة الرابعة ، وان كان نجاحهم أكبر في الأسرة الخامسة ، على إن نهاية الأسرة السادسة ربما كانت بمثابة انهيار للعقيدة المنفية ، كما أن طبيعة بتاح الروحية لم تدعيها فيما بعد واحدة من الكهانات لمعبودها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.