حــــــور
Hur
يجمع المؤرخون أو يكادوا على إن إله السماء ( حور ) إنما قد أصبح ألآله الأعظم في مصر منذ بداية العصر التاريخي ، وأن له معبدا في " نخن " ( البصيلية مركز إدفو ) عاصمة مصر العليا فيما قبل التوحيد ، وذلك منذ أخريات عصر بداية الأسرات
ثم أصبح الإله الحامي لحكام الصعيد المنتصرين على الدلتا وخلفائهم المباشرين ، ذلك لان القوم إنما كانوا يرون انه بتأييد من حور ومؤازرته استطاع ملك نخن أو ملك الصعيد " نعرمر " أن يحقق الوحدة لمصر بعد انتصاره على الدلتا ، وأن يؤسس الأسرة المصرية الأولى ، وأن يخلد هذا العمل التاريخي على لوحته المشهورة ( لوحة نعرمر ) التي عثر عليها في نخن ، حيث يسجل على أحد وجهي اللوحة انتصاره على الدلتا ، وهو يرتدى تاج الصعيد الأبيض ، فضلا عن مشاركة حور في إحراز هذا النصر ، وذلك بتمثيله في صورة صقر مهيب يقف بإحدى قدميه فوق نبات البردي، شعار الدلتا ، بينما تمتد قدمه الأخرى في شكل ذراع بشرية لتمسك بحبل حزمت به انف رأس بشرية تتصل بشكل مستطيل ، ربما تشير إلى بيئة الدلتا ذات المستنقعات ، إذ ينبثق منه نبات البردي .
وأما الوجه الأخر للوحة ، وفيه يرتدى " نعرمر " تاج الدلتا الأحمر ، فتعبر نقوشه عن نتائج نصر الملك الصعيدي المبين على الدلتا ، وقد مثلت فيه أربعة ألوية للمعبودات التي شاركت في إحراز النصر ، وهى لواءان للصقر حور في المقدمة ، مما يشير إلى سيادته على الصعيد والدلتا ، يليها لواء المعبود " وب واوات " ( فاتح الطريق )، ثم لواء رابع يصعب التعرف على مدلوله ، ويمثل في شكل انفتاح شبه بيضاوي ، بل أن هناك ما يشير إلى أن الإله حور إنما قد سبق تمثيله في نقش للملك العقرب ، وهو يقف في مواجهة الملك ويمسك في إحدى قدميه بطرف حبل خزمت بطرفه الآخر انف احد زعماء البدو ، في صورة تشبه تمثيل حور في لوحة نعرمر .
وهكذا حقق حور لأتباعه من زعماء الصعيد وحدة الارضين ( تاشمعو ، وتامحو ) فأصبح بذلك اله الدولة ، فضلا عن الملكية الجديدة ومن ثم فقد اتخذ ملوك الأسرة الأولى شعارا ملكيا يعلوه صقر ( السرخ ) الذي كان يكتب فيه الاسم الحورى للملك في عصر هذه الأسرة ، والذي كان يتصدر غيره من الأسماء الملكية الأخرى ، كما تشهد آثار تلك الفترة والتي تشير الكثير منها إلى إن الملكية إنما هي منحة من الإله حور ، أول معبود رسمي للدولة والملكية في التاريخ المصري القديم ، ومن ثم فقد تصدر حور مكان الصدارة بين غيره من الآلهة في عصر الأسرة الأولى ، ثم سرعان ما بدأت عبادة حور تنتشر في الصعيد في الإقليم الثاني والثالث والثاني عشر والسابع عشر والثامن عشر والحادي والعشرين ، وعبد في الدلتا في الإقليم الثاني والخامس والحادي عشر والسادس عشر والسابع عشر والتاسع عشر والعشرين.
هذا وقد قام جدل طويل حول الموطن الاصلى للإله حور ، فيذهب البعض ، اعتمادا على المصادر المتأخرة ، إلى أن الموطن الاصلى لحور إنما كان في الدلتا وليس الصعيد وان عبادته قد انتشرت في الصعيد بعد انتصار الدلتا على الجنوب ، وقيام الاتحاد الأول في الربع الأخير من الألف الخامسة قبل الميلاد ، هذا الاتحاد الذي قررته دراسة حجر بالرمو وغيره من آثار ذلك العصر .
والبعض الآخر يرى أن عبادته كانت منتشرة في الصعيد ، كوم امبو وادفو و البصيلية والمعلا و أصفون المطاعنة ، ذلك لان هناك ما يشير إلى وجود تماثيل له في نقادة منذ عصر ما قبل الأسرات . فإذا كانت عبادة حور قد انتقلت من الدلتا إلى الصعيد ، فانه يصعب عدم فهم عدم انتشارها في أقاليم الدلتا ذاتها ، فضلا عن مصر الوسطى ، من الجيزة إلى سوهاج وان عبد في حبنو ، جنوب زاوية الميتين، ( جنوب شرق المنيا عبر النهر) هذا ويذهب ( جاردنر ) إلى أن أصل حور مستنقعات الدلتا الشمالية، مع أن الصقر طائر صحراوي ، وقد وصف في متون الأهرام تارة بكلمة ( أختى ) وتارة بكلمة ( أبتى ) والأولى معناها ( أفق الشمس ) والثانية معناها ( الشرق ) وكلا الكلمتين تشير إلى المشرق .
وليس لدينا ما يؤكد أن مصر كانت قبل مينا مقسمة إلى مملكتين حورتين سادهما اله واحد هو ( حور ) صحيح أن عبادة الصقر كانت منتشرة جدا في الصعيد والدلتا ، ولكن كان لكل ( صقر ) شخصيته الخاصة به ، فمثلا لقد أصبحت هيئة الصقر ( رمز حور ) علما على أرباب مدنا كثيرة في الصعيد ، مثل البصيلية وادفو ، و ارمنت و قوص وقفط والهمامية وبني حسن والعطاولة ، ولو انه ما من بأس أن نفترض إن بعض هذه المدن إنما كانت ترمز إلى أربابها بهيئة الصقر فعلا منذ زمن قديم ، دون أن تربط بين هذه الهيئة وبين رمز الإله حور .
أيا ما كان الأمر ، فقبيل بداية التاريخ ، قام الصعيد بتكوين اتحاد من أقاليمه كانت عاصمته ( نخن ) حيث كان يعبد الإله حور ، وقد تجمع حكام الأقاليم الأخرى وكذا الآلهة المحليون الأخرى ، حول ملك نخن ( البصيلية ) ، وحول اله مدينته حور ، وكونوا اتحادا ، وهؤلاء الذين يمكننا أن نطلق عليهم " أتباع حور " وعلى أيديهم تحققت وحدة مصر آخر الأمر ، وأصبح الإله حور الإله الأعظم في مصر ، والحامي لحكام الصعيد المنتصرين ، ومن ثم فقد أصبح اللقب الحورى أول الألقاب الملكية الخمسية التي حملها الملوك طوال العصور الفرعونية ، وكان يكتب داخل مستطيل ( سرخ ) يمثل واجهة البيت الملكي بما له من دخلات وخرجات ، يعلوه صقر حور ، اله الأسرات لكل مصر ، والابن المنتقم لاوزير ، رمز الملك الميت ، وكان هذا اللقب الحورى بمثابة توكيد لأسماء حامله إلى عالم الآلهة ، إلى الإله حور ، ويجعل منه وريثا لحور يحكم باسمه ويجسد شخصيته ، ذاك لان حور إنما ورث حكم مصر عن أبيه أوزير ، ثم ورثه للملك الفرعون. ويعنى ذلك أن الجالس على عرش مصر إنما هو ابن أوزير وخليفته ، بينما يرى آخرون أن الصقر هو اله مدينة نخن ، ومن ثم فهو يشير إلى أن الملك إنما جاء من هذا الإقليم ، أي من مدينة الصقر عاصمة الصعيد ، وصاحبة الفضل في توحيد البلاد ، وقيام أول ملكية في التاريخ .
هذا وقد أطلق المصريون على حور ألقابا كثيرة ، لعل أهمها " حور سيد السماء " أو " نجم في السماء " وقد ظهر هذا اللقب على مشط من عصر الأسرة الأولى ، وقد مثل فيه حور ناشرا جناحيه التي تمثل السماء ، كما عبد محليا بأسماء مختلفة ، منها " حور المتقدم على العينين – حر خنتى أرتى " و " حور المنتقم لأبيه – حرنج أتف " و " حور موحد الارضين – حرسما تاوى " و " حور الافقى – حر أختى " و " حور فى الافق – حرام أخت " وقد عرف منذ الأسرة الأولى باسم " حور الأفق " وذلك لتمثيله في قارب فوق أجنحة مثل الشمس التي تبحر فى السماء.
وعبر الفن المصري القديم بأكثر من طريقة عن ارتباط حور بالسماء والشمس فكان قرص الشمس المجنح ، كما يظهر على مشط من الأسرة الأولى وعندما يصور الإله " حر أختى " فانه يظهر كصقر أو رجل برأس صقر متوج بقرص الشمس ، وهناك كذلك حور الذي نال شهرة بين المصريين بصفته الابن الذي فقد أباه أوزير ، وهو " حور ابن أيزة – حر سا است "
وإن كان ( فرانكفورت ) يذهب إلى أن الصقر حور اله السماء إنما هو نفسه حور ابن أوزير و ايزة ، وانه لمن الخطأ أن نفصل بين ( حور الإله الكبير سيد السماء ) و ( حور ابن ايزة ).
على أي حال فأن حور الكبير المحارب في مدينة ( ليتوبوليس ) وغيرها يصبح في رأى البعض ابنا للإله أتوم ، أو جب وهو حين يكون ابنا للإله جب يصبح أخا لاوزير ، وليس هناك ما يشير إلى أن حور كان ابنا للإله رع في عصور ما قبل التاريخ وإنما كانا صديقين يتعاونان معا كالهين في السماء والضوء ، وهما على قدم المساواة في متون الأهرام ، ومع ذلك فقد اصبح حور ادفو ابنا لرع في النصوص المتأخرة ، هذا وليست هناك علاقة بين حور المسمى " كنتشتاوى " معبود أتريب وبين حور " سبدو " وكلاهما عبد في شرق الدلتا في المنطقة التي كان يخترقها الطريق الموصل إلى فلسطين .
وهناك " حور الطفل – حور باخرد " وقد كتبه اليونان " حربو كراتيس " أو حور بوقراط وقد مثل على هيئة طفل عار يضع سبابته اليمنى في فمه ، وتتدلى خصلة من الشعر على جانب رأسه ويمثل واقفا أو جالسا على ركبتي أمه ايزة ، وأخيرا هناك " خور الادفوى " أي المنتسب إلى ادفو ، وهو ليس حور أبن أيزة و أوزير كما في الثالوث المشهور ، ولكنه كان الإله الأب والإله الابن في صورتين مختلفتين ، وهكذا نجد " حور – حتحور ، حور موحد الارضين " .
أما معابد حور فكثيرة ، لعل أقدمها في الصعيد معبد نخن وأقدمها في الدلتا في دمنهور ، وان كان أشهرها معبد حور في ادفو ، حيث صور هناك على شكل الشمس المجنحة ، وكما يبدو واضحا ، ليس هناك أي شبه بين صورة هذا الإله وصورة حور الحقيقية فلقد صور حور ادفو على شكل قرص الشمس بجناحين كبيرين ذي ألوان مختلفة وصفا بأنهما الجناحان ذو الريش المختلف الألوان التي تتمكن بهما الشمس من أن تطوف السماء ، وهذه الصورة ( صورة حور ادفو ) نراها منقوشة فوق مداخل معابد مصر ، لأنها تعتبره حارسا يحول دون دخول الأشرار المعبد ، وما يزال معبده قائما في ادفو ، وهو معبد لا يضارعه معبد آخر في مصر في الاحتفاظ بمظهره العام ، وطوله 137 مترا ، وارتفاع الصرح 26 مترا والى جانب أهميته المعمارية فهو يعتبر من أكمل المعابد المصرية في العصور المتأخرة ، من حيث بنيانه ومن حيث نصوصه التي تضمنت ثروة طيبة من شعائر العبادة وأساطير الدين والسياسة ، وقد استمر بناؤه قرابة قرنين ، حيث بدئ في بنائه في عهد " بطليموس الثالث " الذي وضع أساسه في 23 أغسطس عام 237 ق . م إلا أن بناءه وزخرفته لم يتما إلا في عام 57 ق . م في عهد " بطليموس الثاني عشر ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.