المعبودات المصرية القديمة
لم تكن هناك قوة في حياة الإنسان القديم يسيطر أثرها على نشاطه كما يسيطر الدين ، ذلك لان الدين كان منفذا للخيالات ، ومحاولة لتفسير الظواهر المحيطة بالإنسان وهو يصدر دائما عن رغبة أو عن رهبة ، رغبة في المنفعة أو رهبة من المجهول والإخطار ، والحياة لا تتأثر بالدين فقط ، بل تختلط وتمتزج به امتزاجا يتأثر بالانطباعات الخارجية حتى يخرج من ذلك كله مِزاج يتطور مع القوى الكامنة في الإنسان ، هذا وكانت الطبيعة المبشر الأول للدين ، إذ فسر الإنسان مظاهرها حين عجز عن فهمها بأن عزاها إلى قوى خارجة عن نطاق تفكيره ، والآلهة أو المعبودات في رأى الإنسان القديم كالبشر يمكن أن نترضاهم بالقرابين والتقدمات ، ولهم صفات البشر أحيانا كذلك
هذا وقد تكون عند المصري القديم نوعان من الآلهة ، آلهة عالمية وآلهة محلية ، وقد لعبت الأخيرة عنده الدور الرئيسي ، وقد ظلت تُعبَد حتى نهاية العصور الفرعونية ، وذلك لقربها منه ، ولتأثره المباشر بها ، حتى أصبح لكل أسرة ، ولكل قبيلة ، ولكل إقليم ، معبوداتها المحلية المتعددة ، غير أن نفوذ كل معبود إنما كان أحيانا لا يقتصر على منطقته التي نشأ فيها ، وإنما كان يمتد إلى ما حولها من القرى حسب أحوال البيئة التي تحيط بمنطقة نفوذه ، وخاصة الأحوال السياسية ، فإذا ما عَظُمَ شأن قبيلة سياسيا تغلب إلهها على ما حولها من القبائل الأخرى دينيا ، وأصبح إله هذه القبيلة هو صاحب النفوذ الأعظم.
وأستمر الحال على هذا النحو حتى أصبح لمصر كيان سياسي ، فاندمجت المناطق بعضها في البعض الأخر ، وانقسمت إلى قطرين ، ثم أتحدت البلاد تحت إمرة ملك واحد ، وهنا ظهر نوع ثالث من ألآلهة ، هو معبود الدولة الذي كان في الأصل أحد المعبودات المحلية ثم استطاع حاكم إقليمه أن يفرض سيطرته على مصر بأكملها ، وحَتَّم على القوم أجمعين أن يقدسوا معبوده ، فيصبح بالتالي معبود الدولة بأكملها.
على إن المعبودات المحلية ، رغم إنها أساس الديانة المصرية القديمة ، فإن قوى الطبيعة العالمية قد قامت بدور هام في معتقدات القوم في كل عصور التاريخ المصري القديم ، ولابد أن هذه الآلهة كانت تعبد منذ الأزل بصفة عامة ، غير أنها لم تحتل مكانة مرموقة ، على ما يُظن ، في نفوس القوم الذين كانوا لا يؤمنون إلا بعبادة الأشياء المحسة القريبة إلى عقولهم ، وربما لم تتأصل عبادة القوى العالمية في نفوس القوم بسبب تطورات عقلية ، وربما بسبب توجيهات رجال الفكر والدين عندما أرادوا تفسير أصل العالم وتكوينه ، ولا نزاع في أن الآلهة العالمية إذا ما قورنت بالآلهة المحلية ، فأن الأخيرة تتضاءل أمام الأولى ، وربما كان من المرجح أن عبادة القوى الطبيعية البارزة لم تأت إلا بعد إتحاد القطرين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.